مقدمة
يعتبر دوما موضوع إهمال الأسرة من موضوعات الساعة الارتباط بالأسرة الصغيرة
وانعكاس آثاره ونتائجه السلبية على الأسرة الكبيرة المجتمع، فكم مرة نسمع حكاية
طفل صغير وجد نائما على الثرى في الشارع؟ وكم مرة نمر بطفل مشرد ونحن سائرون في
طريقنا دون أن ننتبه له، فإذا ما انتبهنا له لم يكن نصيبه من شفقتنا وعطفنا غير
نظرة نلقيها عليه في عجلة نتأسف له ونستنكر كثرة الأطفال المشردين. التائهين في الشوارع،
المتسولين والحاملين لصناديق مسح الأحذية ملقين اللوم على مجتمعنا وأعرافه
وقوانينه متناسين أن السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك كله هو ترك الأم أو الأب بيت
الأسرة أو الإهمال ليتعرض بذلك الأبناء للتشرد والضياع دافعه الوحيد التملص من
المسؤولية والتهرب من تكاليف الحياة متوخيا حياة أخرى أكثر سهولة وأقل تعبا وكدا
واجتهادا، ومن خلال هذا الموضوع نطلع على إهمال الأسرة من الناحية القانونية.
المطلب الأول : ماهية إهمال الأسرة
إن الباحث الذي يريد تحديد ظاهرة
إهمال الأسرة من الجانب القانوني يجدها تأخذ طابعا جرميا له أربع صور إذ كل صورة
منها تشكل جريمة إهمال الأسرة.
وبمطالعة فصول القانون
الجنائي الوارد في هذا الباب: الفصل 479 480 481 482 يمكننا طرح هذه الجرائم على الترتيب
التالي:
الجريمة الأولى:
تتمثل بشكل واضح في
الفقرة الأولى من الفصل 479 من القانون الجنائي التي تنص الحرف على ان: )الأب أو
الأم إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين وتملص من كل
أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو
الحضانة.( وعليه ومن خلال استقراء
ما تضمنته هذه الفقرة من الفصل المذكور تكون الجريمة التي نحن بصددها هي ذلك الترك
لبيت الأسرة من طرف الأب أو الأم، ولقيام هذه الجريمة البد من توافر ركنين أساسيين
هما:
_1الركن المادي
أو ما نسميه بالفعل وهو
يتجلى في ترك الأب أو الأم لبيت الأسرة لمدة تزيد على شهرين بدون موجب قاهر تحت
شرط مصاحبة هذا الترك للبيت الأسروي تملص المهمل الأب والأم من كل أو بعض واجباته
المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة.
2_القصد الجنائي العمدي
هو يعني أن يكون الترك
جاء بصورة عمدية ومقصودة، منها تملص وتهرب المهمل من كل أو بعض واجباته المادية
والمعنوية الناشئة عن رابطة الأسرة. وهذه الجريمة تعتبر جنحة معاقب عليها قانونيا بالحبس
والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
الجريمة الثانية:
هي الأخرى تدخل تحت مقتضيات
الفصل 479 من القانون الجنائي وعلى الخصوص الفقرة الثانية منه ونصها كالتالي:) الزوج الذي يترك عمدا
أكثر من شهرين ودون موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل.( ويفهم من هذا النص
القانوني أن هذه الجريمة الترتب إلا من طرف الزوج وأنها بالإضافة إلى هذا تتطلب من
حيث قيامها وجود أركان وهي كما يلي: الركن المادي: ومقتضاه ترك الزوجة من طرف الزوج لمدة
تفوق شهرين. وجود الزوجة في حالة حمل. علم الزوج بحملها. القصد الجنائي: أن يكون
ترك الزوج لزوجته جاء عمدا ليس نتيجة ظرف قاهر. / ومن الملاحظ أن تخلف إحدى
هذه الأركان التي جاء بها النص يؤدي حتما إلى انتفاء الجريمة من حيث وجودها
القانوني، أما من حيث الوصف التي تأخذه والعقاب المخصص لها فهي تدخل في نفس السياق
مع الجريمة الأولى.
الجريمة الثالثة:
ويشملها الفصل 480
الذي جاء على الصيغة التالية:) يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل
للتنفيذ المؤقت بدفع نفقه إلى زوجة أو أحد أصوله أو فروعه وامسك عمدا عن دفعها في
موعدها المحدد. (... ويمكن تلخيص هذه الجريمة في الامتناع عن
أداء النفقة للزوجة أو أحد الأصول أو الفروع تحت ضرورة قيام أركان متكاملة وهو: (1فعل مادي قوامه الامتناع
عن دفع نفقة. (2أن تكون النفقة جاءت بمقتضى حكم قضائي. (3ان يتصف هذا الحكم بكونه
نهائيا أو يستلزم التنفيذ المؤقت. (4القصد الجنائي عمدي وهو يعني كون من امتنع عالما بالحكم
وامتناعه على الرغم من ذلك من تنفيذه وبدون مبرر ومقبول. (5وهذه الجريمة مماثلة
بالسالف الذكر من الجريمتين مع فارق دقيق وملحوظ وهو تشديد العقوبة على الشخص الذي
يوجد في حالة العود، حيث يكون الحبس حتما. -الجريمة الرابعة: نص
عليها الفصل 482 الذي جاء فيه بالحرف: »يعتبر أحد الأبوين مرتكبا لجريمة الأسرة
إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم وذلك نتيجة
سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو
التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق يعاقب.«.... ويمكن ذكر هذه الجريمة في
تلخيص بأضرار أحد الوالدين بأطفاله ولقيامها البد من الأركان الآتية: (1
أن يكون الفعل الجرمي قد
أتاه أحد الأبوين أي الأب أو الأم. (2أن يتسبب في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر
منهم.
(3أن يكون هذا الضرر جاء نتيجة حالة من الحالات المشار إليها في الفصل المذكور
أعاله. وتعد هذه الجريمة هي
الأخرى جنحة ويعاقب عليها بالحبس والغرامة سواء جاء الحكم بالحرمان من السلطة
الأبوية أو لم يأت بذلك، إضافة إلى إمكانية الحكم على مقترف الفعل الجرمي أو
الجريمة بحرمانه من واحد أو أكثر من الحقوق التي جاء ذكرها في الفصل 40 من خمس
سنوات إلى عشر .
المطلب
الثاني: على مستوى المتابعة:
إن إجراءات مسطرة متابعة
الزوج بجنحة إهمال نفقة زوجته المنصوص عليها في الفصل 481 معقدة وتستغرق وقتا لا
يستهان به إذ تقتضي متابعته استصدار حكم قضائي بأداء النفقة وطلب تنفيذه وفقا
للإجراءات العادية، ثم رفع شكوى بعد ذلك إلى النيابة العامة التي تعذره عن طريق
استجوابه من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية، وإنذاره بأداء ما عليه داخل خمسة عشر
يوما، ولا يمكن تحريك الدعوى العمومية في مواجهته إلا بعد مضي هذا الأجل، ولا شك
أن هذه الإجراءات لا تنسجم وطبيعة النفقة المتسمة بالطابع المعيشي، وتبعا لذلك
يبدو وأنه لا مناص من ضرورة تعديل تلك الإجراءات وإقرار تنفيذ الحكم فور صدوره أو
على الأقل في أيام محدودة حتى لا يتضرر الطرف المدعي – الزوجة- كما هو واقع
عمليا. ولن يتأتى هذا إلا بالتعجيل بإحداث صندوق التكافل العائلي الذي شدد على
ضرورة الإسراع بإخراجه إلى حيز الوجود صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره هللا
بمناسبة افتتاحه السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة في خطابه بتاريخ
10/10/2003. ومن أهم المميزات التي تتميز بها دعوى النفقة عن غيرها
هي: إن مقال طلب النفقة أصبح
معفى من أداء الرسوم القضائية]19 ]نظرا للطابع الاجتماعي لهذا النوع من القضايا
وذلك بمقتضى ظهير شريف]20 .]والإعفاء من الرسوم القضائية منصوص عليه في الفقرة ”ك“
من الفصل الثاني من قانون الرسوم القضائية. حيث جاء فيها استثناء من الأحكام
الواردة في قانون الرسوم القضائية: ”تتمتع بالإعفاء من الضرائب والرسوم المقررة
فيه...ك، الطلبات المتعلقة بالنفقة“ وعبارة الطلبات المتعلقة بالنفقة تشمل دعاوى
النفقة سواء كان المدعي ابنا أو أبا أو زوجة أو أي قريب أو مستحق آخر للنفقة. ويرى الأستاذ القدوري أن
الغاية من سن المساعدة القضائية في ميدان المطالبة بالنفقة يقتضي أن تشمل عبارة:
”دعاوى النفقة“ سائر الدعاوى الرامية إلى النفقة وعلى مستوى المحاكم الابتدائية
ومحاكم الاستئناف والمجلس الأعلى، بحيث ينبغي أن يعفى طالب النفقة من الرسوم
القضائية سواء كان مدعيا أو مستأنفا أصليا أو فرعيا أو طالبا للنقض]21]
. شفوية المسطرة
لم تعد المسطرة الشفوية
هي المبدأ في ميدان التقاضي أمام المحاكم الابتدائية، فقد نص الفصل 45 من ق م م
بمقتضى التعديل أن المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستئناف هي المطبقة أمام
المحاكم الابتدائية وتم استثناء قضايا محددة من ذلك، حيث تطبق المسطرة الشفوية
ومنها قضايا النفقة]22 .]وحسب التعديل الأخير الذي لحق ق.م.م أصبحت المسطرة
الشفوية تطبق أيضا في دعاوى الطلاق والتطليق وهذا ما نص عليه الفصل 45 حيث جاء في
إحدى فقراته: ”... غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية:... قضايا النفقة
والطلاق والتطليق]23]. لعل الهدف من هذا الإجراء شفوية المسطرة هو سرعة البث في
القضايا المرتبطة بالعيش للزوجة والأطفال، لأن تطبيق المسطرة الكتابية أمام
المحاكم الابتدائية في قضايا الأحوال الشخصية تسبب في المزيد من التطويل وتعطيل
البث في القضايا، ويرجع السبب في ذلك بالخصوص إلى مشكل التبليغ وتأطير كتابة
الضبط، فضلا عن تحايل الأطراف واستغلالهم للمسطرة الكتابية من أجل عرقلتها وربح
الوقت. لذلك ينبغي تعميم المسطرة الشفوية على جميع قضايا الأحوال الشخصية وليس
الاقتصار على النفقة فقط]24]. –الإعفاء من وجوب تنصيب محام بحيث إذا كان المبدأ هو
الاستعانة بمحام أمام مختلف الجهات القضائية نظرا للدور النبيل الذي يؤديه في مد
يد المساعدة لتحقيق العدل وحماية الحقوق، وطبقا للظهير الشريف]25 ]فإنه تم استثناء
قضايا محدودة من وجوب تنصيب محام، ومنها قضايا النفقة، ولا تخفى المبررات
الاجتماعية والاقتصادية للإعفاء من تنصيب محام إذ أغلب المتقايضات في ميدان
الأحوال الشخصية- ومنها قضايا النفقة- من الفئات الضعيفة وبالتالي إجبارهن بذاك قد
يثنيهن عن المطالبة بحقوقهن عن طريق القضاء. زيادة على ذلك أن طبيعة هذه الدعاوى
تقتضي الحضور الشخصي للأطراف ليتمكن قاضي الأسرة من إجراء الصلح الاجتماعي بين
الزوجين وهذا ما جاء في التعديل الأخير لمدونة الأسرة في المادة 82. –تخفيض الآجال :خاصة أمام
المجلس الأعلى. وهذا ما جاء به الفصل 367 من ق م م ، حيث نص على ما يلي: ”تخفض
الآجال المنصوص عليها في الفصول 364 و 365 و 366 إلى النصف فيما يخص طلبات النقض
المرفوعة ضد الأحكام الآتية: الأحكام الصادرة في قضايا النفقة أو قانون الأحوال
الشخصية أو الجنسية... ويجوز للمستشار المقرر في جميع القضايا أن يحدد أجلا أقل إن
تطلب ذلك نوع القضية وظروفها]26 .]وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 364 من ق م م حدد أجل
تقديم المذكرة التفصيلية خلال 30 يوما والفصل 365 من نفس القانون حدد أجل تقديم
المذكرة الجوابية في 30 يوما. وكذلك الفصل 366 حدد أجل تقديم مستندات النيابة
العامة في 30 يوما. –شمول النفقة بالنفاذ المعجل بقوة القانون :سواء عند
رفضها أو البث فيها وذلك طبقا لما نص عليه الفصل 179 مكرر من ق م م حيث جاء فيه:
”يبث في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن.
ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في
ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها. وينفذ هذا الحكم قبل
التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه]27 .]وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة
190 من المدونة الجديدة للأسرة. حيث جاء فيها: ”يعين في القضايا المتعلقة بالنفقة
في أجل أقصاه شهر واحد“]28]. نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعي